
منذ سنوات وأنا أعتبُ على الصحافة الموريتانيَّة أنها تسهم في تشويه الدولة وتشكِّك المستثمرين والجهات المانحة والمقرضة؛ فتؤخِّر حركة الاستثمار والتنمية في بلد يتمتَّع بموارد هائلة يمكن أنْ تجعل موريتانيا خلال خمس سنوات أغنى دولة في محيطيها وانتمائيها الإقليميين العربي والأفريقي، فضلًا عن نشر خطاب الكراهية وتجذير وتنمية الحقد الاجتماعي؛ هذا لأنَّ موريتانيا د تتمتَّع بحرية صحافة جعلتها - حسب تقييم منظمة "صحفيين بلا حدود " رقم 33 في الترتيب الدولي في حين أنَّ أمريكا جاءت في المرتبة الخامسة والخمسين هذه الحريَّة وهذا التسامح اللذان يتجلَّيان في شخصيَّة الرئيس محمد ولد الشيخ غزواني أغرى البعض بالتهوُّر في النقد والسبِّ والابتذال في الوصف ، والرئيس –حسب ما سمعتُ منه شخصيًّا - لا يضيق بالنقد ، ولا ينوي التضييق على الصحفيين ولا يحبِّذه ـ وإنْ استاء من التهوُّر والتجاوز ـ وهو ما لا يليق ولا يصح خصوصًا في دولة مثل موريتانيا نشأ شعبها على قيم أصيلة وهو ما ينمُّ عن تقدير كبير للصحافة ، هو هو ما أشار إليه وزير الثقافة الدكتور الحسين ولد مدو عند حديثه بمناسبة اليوم العالمي للصحافة مؤكِّدًا أنَّ رئيس الجمهوريَّة جعل من تعزيز حريَّة الصحافة ودعمها هدفًا للدولة و العمل على تحسين ظروف ممارسة الصحفيين ضرورة بوصفهم دعامة أساسيَّة في مشروعه الوطني و ذلك من خلال ترجمتها إلى واقع ملموس ومعيش ، لخلق إعلام وطني حر مهني ومسئول يعكس صورة البلاد الحقيقيَّة ، ويحمل صوته بكل أمانة وصدق.
هذا التقدير للصحافة والصحفيين من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، تجلَّى في اختيار المثقَّف الكبير والصحفي الشهير الدكتور الحسين ولد مدو وزيرًا للثقافة وهو – في تقديري أدق اختيار لهذه الوزارة منذ الاستقلال ، حيث جاء الرجل – للمرة الأولى من نفس الحقل الذي استوزر فيه ، ولتمتعه بعقليَّة ثقافيَّة وصحفيَّة فذَّة إضافة إلى خبراته الطويلة ، ولا أرى إلا أنَّ التاريخ سيسجل عند احتفال موريتانيا بمئوية استقلالها عام 2060 –أنَّ الدكتور الحسين ولد مدو وزير الثقافة أعظم وزراء الثقافة الذين مرُّوا على موريتانيا، والشواهد واضحة، وهو ما تبدَّى خلال الشهور الذي تولاها والحيويَّة التي بثَّها في أركانها والتغييرات الإيجابيَّة والهادفة التي بدأت بتولية المبدع الكبير أحمد حافظ مديرًا عامًّا للفنون بالوزارة مما سينعكس بشكل إيجابي على نهضة حقيقيَّة في فنون السينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى في بلد عُرِف على مدى تاريخه بالثقافة. أما الصحافة فإنَّ مصادقة الحكومة على تغييرات جوهريَّة في الحقل الإعلامي وإصدارمرسوم ينظِّم شروط منح وتجديد وتعليق وسحب البطاقة الصحفيَّة، ما كان ليحدث لو لم يكن الحسين ولد مدو وزيرًا للثقافة ، لأنَّه أدرى الوزراء بواقع الصحافة والثقافة كصحفي كبير امتدَّت خبراته المهنيَّة لثلاثة عقود. وهذا القانون سيعمل على ضبط الأداء الإعلامي بشكل جيد وسينعكس بشكل إيجابي ليس على الساحة الصحفيَّة فقط ، ولكن على مناحي الحياة في موريتانيا بدايةً من التأثير الاجتماعي وحتى الاستثمار والتنمية في موريتانيا ، فضلًا عن العلاقات السياسيَّة والإستراتيجيَّة لموريتانيا مع محيطيها العربي والأفريقي بحكم أنَّ الثقافة والإعلام هما قاطرتا العلاقات بين الدول.
وهذه التغييرات الجديدة ستسهم في تشكيل الصورة الصحيحة عن موريتانيا ، وهذا الضبط سيتصدَّى للتهوُّر غير المسئول وللابتذال في السبِّ والتجاوز في النقد الذي ينسال من أقلام محسوبة على الساحة الصحفيَّة د و الصورة السيئة التي رسمها بعضهم لموريتانيا ،كما أنَّه انتبه بشكل حقيقي وذكي لاستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة العمل المهني الصحفي و تأثيراته على نشر خطاب الكراهية والإعلامي المضل ؛ وهنا أعتقدُ أنَّ الحسين ولد سيعمل على خلق الآليات الأنسب لمواجهة ذلك والاستفادة منه بالصورة التي تواجه هذا الخطاب.
أيمن السيسي
صحفي في الأهرام