إعلان

تابعنا على فيسبوك

إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو ويُنكرُ رُفاتَ أَبنائه!

اثنين, 12/05/2025 - 10:45

في مشهد لا يخلو من الألم والمهانة، تتكشّف تفاصيل عملية تسليم النظام السوري الجديد جثمان الجندي تسفي فيلدمان، أحد جنود الاحتلال الذين شاركوا في غزو لبنان عام 1982، بعد أكثر من أربعين عاماً على أسره خلال معركة السلطان يعقوب. العملية تمت “ببلاش”، كما تقول الصحافة العبرية، من دون أي مقابل، في وقت لا تزال فيه آلاف العائلات السورية تجهل مصير أبنائها المفقودين في زنازين الموت أو على أطراف المقابر الجماعية.

تبدأ القصة بوثيقة مسرّبة، نشرتها مواقع مقربة من النظام، صادرة عن اللواء علي دوبا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وموجهة إلى حافظ الأسد. تكشف الوثيقة معلومات دقيقة عن مواقع دفن جنود الاحتلال في سوريا، وتُفصّل أسماء من يعرفون هذه المواقع، وعلى رأسهم طلال ناجي، عمر الشهاب، وأحمد جبريل.

وبناءً على هذه الوثيقة، اعتقل النظام الجديد طلال ناجي قبل أسابيع. ووفقاً للصحافة العبرية، فإن هذا الاعتقال ساعد في تحديد موقع دفن جثمان الجندي تسفي فيلدمان، الذي سُلّم لاحقاً إلى جيش الاحتلال بلا مقابل، في خطوة أذلّت ما تبقّى من كرامة وطنية لدى السوريين، وأعادت فتح جراح عشرات الآلاف من الأسر السورية التي لم تسمع صوتاً عن أبنائها منذ عقود.

في ليلة العاشر من حزيران عام 1982، سطّر الجنود السوريون، ومعهم مقاتلون فلسطينيون، ملحمة بطولية في قرية السلطان يعقوب شمال شرق لبنان. كتيبة مدرعات للاحتلال اندفعت بغرور إلى المنطقة، دون أن تدرك أنها ستقع في كماشة نارية خطط لها اللواء 58 السوري.

استمرت المعركة حتى بزوغ الفجر، حيث وجد جنود الاحتلال أنفسهم محاصَرين وتحت نيران كثيفة ومنسّقة. قُتل 20 جندياً من العدو، وأُصيب العشرات، وأُسر جنديان، فيما فُقد ثلاثة آخرون: تسفي فيلدمان، يهودا كاتس، وزخاريا باومل.

نُقلت جثامينهم إلى سوريا، وبقيت طيّ الكتمان لعقود، حتى جاء النظام الجديد ليزيح الستار عن قبورهم… لا من أجل العدالة، ولا من أجل كشف مصير الضحايا السوريين، بل لإرضاء عدو الأمس الذي لا يزال يحتل الأرض ويقتل الأبرياء.

في الوقت الذي يُسلَّم فيه جثمان جندي محتل، يقبع عشرات الآلاف من السوريين في سجون لا يعرف ذووهم إن كانوا أحياء أم قضوا تحت التعذيب. كم من أمّ ما زالت تنتظر، وكم من زوجة ما زالت تترقب، وكم من طفل كبر وهو لا يعرف قبر أبيه؟

أليس من المعيب أن تكون قبور جنود الاحتلال محفوظة بعناية، بينما تضيع أجساد السوريين في العتمة؟ أليس من المخزي أن يكون العدو أكثر حرصاً على جنوده من حكومات تدّعي الوطنية وتبيع دماء أبنائها في بازار المصالح؟

جثمان جندي من جنود الاحتلال يعود إلى حضن عائلته بعد أربعة عقود، يُسلَّم بأيدٍ سورية، ومن أرض سورية، وبدون أي مقابل… بينما أمهات سوريا ما زلن يطرقن أبواب السجون بصمت، ينادين أسماء أولاد لن يجيبوا، ويبحثن في الريح عن رائحة قبر أو خبر.

لقد تحوّلت سوريا، التي أنجبت الأبطال في السلطان يعقوب، إلى ساحة تُكرَّم فيها رفات العدو وتُهمل فيها رفات أبنائها. إنها الخيانة حين تلبس قناع السيادة، والعار حين يُغلف بورق المفاوضات.

لا شيء أشدّ خزياً من وطنٍ يُعيد رفات قاتليه… وينكر جثث أبنائه.

محمود كلّم كاتب فلسطيني

رأي اليوم