
سورية الجديدة، هي سورية التي تُعلن أنها لن تُقاتل إسرائيل، لأنها لا تملك جيشًا، ولا تنوي إيذاء أحد في المنطقة، سورية الجديدة التي يقول حكامها الجدد، إن في التطبيع إفادة، وحماية، وأمان، وسلام، وسورية الجديدة هي التي تصمت عن قضم أراضيها، وتسمح لجيش الاحتلال الإسرائيلي التجوّل بالقرب من مركز حكمها في دمشق.
وأشار الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بنفسه، إلى أن “الازدهار لن يتحقق لأي من الدولتين (سورية- إسرائيل) في ظل الخوف” وأضاف أن “لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين، وأنه يمكن للبلدين لعب دور رئيسي في الأمن الإقليمي”.
سورية الجديدة، وفي خطوة غير مُعلنة، بدأت بتعديل صفات الفلسطينيين المُقيمين على أراضيها، وتغيير وضعهم القانوني من فلسطيني سوري” إلى “فلسطيني مقيم”، واستبدال خانة المحافظة بكلمة “أجنبي”، حتى بالنسبة لأولئك المولودين في سوريا.
يحدث هذا، في ظل تناسل التقارير عن قرب التطبيع بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وبين إسرائيل، ومن غير المعلوم إذا كانت تلك الخطوة، ضمن شروط قبول تل أبيب بالتطبيع، كتلك الشروط التي طلب فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الشرع “طرد المُقاتلين الأجانب”.
أحمد الشرع، أو أبو محمد الجولاني الجهادي السابق، كان قد وعد مُجاهديه بالوصول إلى القدس مُحرّرًا، ولكن يبدو أن الرجل يُريد تحرير سورية من الفلسطينيين، في خطوة كشفت عنها صحيفة صحيفة “زمان الوصل” السورية، ولافت أن سُلطات دمشق الجديدة صمتت عن أي تعليق حتى كتابة هذه السطور.
وبحسب الصحيفة المذكورة، التي اطّلعت على وثيقة “إخراج قيد عائلي” حديثة، فإن التغيير شمل أفرادًا تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عامًا، حيث تظهر صفة الجنسية بوضوح على أنها “فلسطيني مقيم”، فيما أُزيلت خانة المحافظة لصالح توصيف عام بـ”أجنبي”.
الحنين لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، سيكون حاضرًا في نفوس الفلسطينيين بسورية، فرغم عدم حصول اللاجئين الفلسطينيين على الجنسية السورية، فقد متّعتهم حكومة الرئيس الأسد بحقوق قريبة متكافئة مع المواطنين السوريين في مجالات التعليم، والعمل، والإقامة، والتملك ضمن قيود محددة، وصدرت وثائقهم المدنية تحت إشراف الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب.
حكومة الشرع الانتقالية اليوم، تفتح باب التساؤل واسعًا، حول مصلحتها من تلك الخطوة، ولماذا تحرص على حرمان الفلسطيني من حقوق اكتسبها على مدى عقود، في مُقابل ذلك، يحرص الجهادي السابق الشرع، على التأكيد على أهمية منح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية لما وصفه بمُساهمتهم في إسقاط النظام السوري.
المخاوف القادمة إثر هذه الخطوة، تتمثّل في إمكانية تطبيق هذا الاستغناء السوري عن الفلسطينيين بأثر رجعي، حتى يشمل كل الأجيال التي ولدت في سورية، وهي أعداد تقدر بمئات الآلاف، وهُجّروا مُنذ العام 1948.
وسورية قبل سُقوط نظامها، كانت الدولة الوحيدة التي حرصت على منح الفلسطينيين حقوق قانونية، فيما كان الفلسطيني في دول عربية أخرى يُعاني دون حقوق، تحت عنوان “حق العودة”.
وفي ظل الصمت الرسمي السوري، تلفزيون سوريا نقل عن مصدر حكومي أن ما جرى من تعديلات في بيانات اللاجئين الفلسطينيين في بعض السجلات، يعود إلى “خطأ تقني غير مقصود”، ولكن لم يجر تأكيد هذه المعلومة رسميًّا.
وشكّل هذا القرار، صدمة للفلسطينيين الذين “ابتهجوا” بسُقوط نظام الأسد، وذكّروا بأنهم كانوا من المكونات الأساسية ضمن “الثورة”، وأنهم شاركوا بالمظاهرات وهتفوا للحرية، ليكون مصيرهم بالنهاية “مقيم أجنبي”.
ويتجاوز تِعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، نصف مليون لاجئ، ويتوزعون على ست محافظات، إلا أن الكتلة الأكبر من اللاجئين توجد في دمشق وتحديدا في مخيم اليرموك.
“مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، وهي منظمة حقوقية إعلامية متخصصة برصد أحوال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، تحدّثت من جهتها عما أسمته “تغييرات مثيرة للقلق في سجلات اللاجئين لدى الجهات الرسمية السورية”.
ومنذ العام 1956، أقر مجلس الشعب السوري القانون رقم 260، الذي وافق عليه حينها الرئيس شكري القوتلي، والذي منح معظم الفلسطينيين حقوقًا متساوية مع السوريين، باستثناء حقي الانتخاب والترشح، دون أن يمنعهم ذلك من العمل في هياكل الدولة السورية والمواقع السيادية بصفة مستشارين ونواب للوزراء ومديرين عامين.
وغادر قادة فصائل فلسطينية من سوريا كانت مقربة من الحكم السابق، ومدعومة من طهران، دمشق بعد التضييق عليهم من قبل السلطات الجديدة ومصادرة ممتلكاتهم.
واستهدفت الإجراءات فصائل محسوبة تقليديًّا على محور “المقاومة”، وعلى رأسها “حركة الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”.
إذًا، وبكُل حال، ووفقًا لمُعطيات الأمر الواقع، ينقل الشرع سورية من محور المقاومة إلى محور التطبيع والغرب تمامًا، ويقطع سورية عن انتمائها العروبي، وتتحوّل فلسطين في القاموس السوري، إلى مجرد اسم جُغرافي، عرفته أجيال سورية السابقة، لكن الأهم في كل هذا، أن الصلاة باتت حاضرة في ميعادها في صفوف الجيش السوري الجديد “المُلتحي”، ويُرفع الأذان في مقرّاته، حيث كان يمنعها “نظام المُمانعة” بين جنوده الذين قاتلوا إسرائيل!
رأي اليوم
------
واجتاحت سوريا نهاية العام الماضي مجامبع من العصابات الإرهابية المسلحة وقطاع الطرق؛ بدعم تركي غربي؛ ونصبت رئيسها محمد الجولاني رئيسا للبلاد.