إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

يحيى ولد أحمد الواقف… رجل الدولة الذي ترجّل بهدوء

أربعاء, 25/06/2025 - 22:51

في زمن قلّت فيه القامات الوطنية، وارتفعت فيه الضوضاء على حساب الإنجاز، يترجل عن المشهد السياسي الموريتاني أحد رموزه البارزين، الوزير الأول السابق يحيى ولد أحمد الواقف، في لحظةٍ تختلط فيها مشاعر الوفاء بالتقدير، ويعلو فيها صوت التاريخ ليسجّل صفحة ناصعة من كتاب الخدمة العامة.
لقد مثّل يحيى ولد أحمد الواقف طيلة مسيرته السياسية والإدارية نموذجًا نادرًا لرجل الدولة المتزن، العقلاني، المؤمن بالدولة الحديثة، والمستند في كل خطواته إلى قيم الانضباط والنزاهة والعمل المؤسسي. فمنذ بداياته في جهاز الدولة، برز الرجل بكفاءته الفنية العالية، وحسه الوطني العميق، وقدرته اللافتة على الجمع بين الصرامة والمرونة، بين احترام المساطر والعمل الواقعي على الأرض.
لم يكن يحيى ولد أحمد الواقف مجرد إداري ناجح، بل كان مشروع سياسي ناضج، نبت في تربة الإدارة الموريتانية، وتشكّل على ضوء تحدياتها، فحمل همّ الإصلاح في أعماقه، واشتغل على التغيير من الداخل، متمسكًا بمفاهيم الدولة لا بغنائم السلطة. وعندما تقلد مسؤولياته الكبرى، خصوصًا في منصب الوزير الأول، أدار الملفات العالقة بقدر عالٍ من الحنكة، وأظهر استقلالية القرار دون صدام، فكان بحق رجل التوازنات الذكية.
في فترات دقيقة من تاريخ البلاد، كان الرجل على رأس الجهاز التنفيذي، وعُرف آنذاك بقدرته على إدارة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية بكفاءة، محافظًا على مسافة واحدة من مراكز القوى، دون أن يغفل عن مصالح المواطن البسيط. وقد تجلّى ذلك في التهدئة السياسية التي رافقت فترة حكمه، والانفتاح النسبي الذي شهدته الساحة حينها، فضلًا عن التقدم النسبي في بعض قطاعات البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ربما ما يميز يحيى ولد أحمد الواقف أكثر من غيره، هو سلوك الابتعاد عن الأضواء، والعمل بصمت، وحرصه المستمر على أن يكون رجل النتائج لا العناوين. لم يكن يومًا باحثًا عن البطولات الإعلامية، ولا ساعيًا إلى صناعة الهالة حول شخصه، بل آمن أن أفضل صورة للمسؤول هي ما يخلّفه من أثر طيب في مسار الدولة والمجتمع، لا ما يُقال عنه في منابر الدعاية.
ورغم إعلان تقاعده الرسمي من الحياة السياسية، فإن بصمات يحيى ولد أحمد الواقف ستبقى حاضرة في ذاكرة الدولة الموريتانية، وسيظل مرجعًا سياسيًا وإداريًا لمن أراد أن يتعلم كيف تُبنى الدول برجالها، لا بشعاراتها. إنه تقاعد جسد، لا تقاعد روح؛ ففكره حاضر، وتجربته ملهمة، ووطنيته ستبقى منارة للأجيال القادمة.
إننا، ونحن نودّع هذه القامة الوطنية في مشواره الرسمي، لا يسعنا إلا أن نقف إجلالًا واحترامًا للرجل، شاكرين له ما قدّم من جهود، ومقدّرين حجم التضحيات التي بذلها في صمت وبعيدًا عن منابر التباهي. فمثله لا يُقاس بمدة البقاء في المنصب، بل بعمق الأثر، وصدق الانتماء، ونظافة اليد.
وداعًا أيها الوزير الأول، أيها الإداري الهادئ، أيها السياسي الذي لم يغيّره المنصب، بل زاده تواضعًا ومسؤولية.

محمد الأمين عرفة