إعلان

تابعنا على فيسبوك

القصة الحقيقبة لمهزلة اسمها “إنجاز” مُعجزة استعادة أرشيف الجاسوس كوهين من سورية

اثنين, 19/05/2025 - 20:32

احتفالات ضخمة في دولة الاحتلال الإسرائيلي بالإنجاز العظيم الذي حقّقه جهاز “المُوساد” باسترجاع 2500 وثيقة وصورة ومُقتنيات شخصيّة كانت ضمن الأرشيف الرّسمي السوري الخاص بالعميل إيلي كوهين الذي جرى اعتقاله، وتنفيذ حُكم الإعدام شنقًا به في ساحة المرجة في 18 أيّار (مايو) عام 1965.

البيان الذي صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المُتّهم إسرائيليًّا بالفشَل في استِعادة الأسرى “عسكريًّا” طِوال أكثر من عام ونِصف العام من عُدوانه على قطاع غزة، وليس عن جهاز المُوساد، تحدّث عن “عمليّةٍ سريّة مُعقّدة” نفّذها الجهاز بالتّعاون مع جهةٍ استخباريّة شريكة، دون تسميتها، في مُحاولةٍ مقصودة، ولكنْ مفضوحة وغير ذكيّة، لإخفاء “عمليّة التّسليم” شِبه المُؤكّدة لهذه الوثائق من الجهات الرسميّة السوريّة الحاكمة حاليًّا، والمُبالغة في الوقتِ نفسه في ترميم صُورة الجهاز التي انهارت كُلِّيًّا بعد عمليّة “طُوفان الأقصى”، واختراق رجالها كُل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، وتنفيذها بدقّةٍ مُتناهية باتَ يجري تدريسها في كُل الأكاديميّات الأمنيّة العالميّة.

***

لا نعرف أين هو الإنجاز الكبير الذي يتحدّث عنه ديفيد برنيع رئيس المُوساد حول نقل هذه الوثائق والصّور والمُقتنيات الخاصّة للعميل كوهين، بما في ذلك تسجيلات حول التّحقيقات معه، وجوازات سفر مُزوّرة استخدمها، ووصيّته لعائلته التي كتبها بخطّ يده قبل ساعاتٍ من إعدامه، فلو تمكّن المُوساد من استعادة هذا الأرشيف قبل وصول النظام السوري الجديد إلى السُّلطة، لما اختلفنا مع هذا التّوصيف، أو هذا الإنجاز، ولكن وعلى مدى 55 عامًا فشل هذا الجهاز “المَنفوخ” في استعادة الأرشيف، أو حتّى الوصول إلى رُفاتِ الجاسوس المذكور، رغم تدخّل أجهزة مُخابرات عالميّة للوصول إلى قبره، بما فيها المُخابرات الروسيّة التي بذلت جُهودًا كبيرة، ومارست ضُغوطًا ضخمة على النظام السوري السّابق في هذ الإطار، ولكنها فشلت فشلًا ذريعًا.

هُناك احتِمالان يُمكن أن يكونا خلف هذا “الإنجاز” المُفَبرك:

الأوّل: أنْ تكون السّلطات السوريّة الجديدة هي التي قامت بتسليم هذا الكنز الاستخباري إلى جهاز المُوساد الإسرائيلي لتأكيد حُسن النّوايا في التّعاون، وكمُقدّمة للاعتِراف والتّطبيع، وتبادُل السَّفارات والسُّفراء.

الثاني: أنْ تكون أجهزة الأمن السوريّة الحاليّة مُخترقة من قِبَل أجهزة المُخابرات الإسرائيليّة التي زرعت عُملاء لها في هذه الأجهزة، وساعدوها في الوصول إلى الأرشيف بسُهولة، ألم يقل نتنياهو “أنّنا دعمناهم، وعالجناهم في مُستشفياتنا”؟

الاحتِمالان واردان، وكلاهُما يُدينان النظام السوري الحالي المُؤقّت في سورية بالتّواطُؤ، فهذا الأرشيف هو مُلكُ الشعب السوري، ويُمثّل جُزءًا مُهِمًّا مُشَرِّفًا في إرثه وتاريخه السياسيّ والأمنيّ، ويجب أن تتم حمايته، ومنع أي اقتراب منه، من قِبَل أيّ جهات خارجيّة، وخاصّة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تحتلّ أرضه (الجولان والجنوب السوري) ومُقدّساته، ودولة اسمها فِلسطين تُشكّل إقليمًا رئيسيًّا في سورية الكُبرى.

نحنُ، وبالنّظر إلى تطوّرات الأيّام الأخيرة، نميلُ إلى ترجيح الاحتِمال الأوّل، أي إقدام النظام السوري الجديد على تقديم الأرشيف، ووثائقه، هديّةً إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكيّة وبعض الدّول العربيّة.

فبعد اللّقاء الذي تمّ بين الرئيس ترامب و”نظيره” السوري أحمد الشرع على هامش زيارة الأوّل للرياض قبل أُسبوع تقريبًا، أعلن الرئيس الأمريكي أمرين: الأوّل، رفع الحِصار أو العُقوبات عن سورية الجديدة، واستِعداد قيادتها للتّطبيع وإقامة علاقات قويّة مع تل أبيب، الأمر الذي يُؤكّد بعض التّسريبات الإعلاميّة الأمريكيّة والإسرائيليّة، عن لقاءاتٍ سريّة بين الجانبين، سواءً في تل أبيب، أو في نيويورك، أو حتى باكو عاصمة أذربيجان برعايةٍ تُركيّة، ولا يُمكن أنْ ننْسى التّصريح الذي أدلَى به نتنياهو، وكرّره مُتباهيًا أكثر من مرّة، وقال فيه إنّه وكيانه، وأجهزته، من أطاح بحُكم نظام الرئيس بشار الأسد.

***

الجيش الإسرائيلي، وأجهزة المُخابرات الإسرائيليّة الأربعة الكُبرى، فشلت في الوصول إلى الأسرى الإسرائيليين لدى كتائب القسّام وسرايا القدس في قطاع غزة، الذي لا تزيد مِساحته عن 150 ميلًا مُربّعًا، وعلى مدى أكثر من 18 شهرًا، فهل يُعقل أنْ تصل إلى أرشيف كوهين السِّرّي جدًّا، لو كانت نظيرتها السوريّة، وقيادتها، غير راغبة في التّعاون والتّسليم، أو تسهيل هذه المَهمّة، وفي هذا التّوقيت الذي يخرج فيه “المُوساد” من فشلٍ ليقع في آخَر.

مجنون يحكي وعاقل يسمع.

اليوم تسليم، أو غضّ النّظر، وتسهيل الاستِيلاء على أرشيف الجاسوس كوهين، فمَا هي المُفاجئة القادمة، ونحنُ لا نُلمّح هُنا إلى التّطبيع، فهذا بدأ عمليًّا وسِريًّا، ولم يبق غير الإعلان، والمُصافحة الرسميّة أمام شاشات العالم، وما علينا إلّا الانتِظار.
عبد الباري عطوان